المبتعث أو "الجاسوس التنموي"
في تقاطعات الخنادق التنموية بين الدول المتقدمة والنامية، تكمن فرص الاطلاع للطلبة المبتعثين في عواصم التصنيع المتطور، للنظر في سجلات براءات الاختراع هناك والعودة إلى أوطانهم بما يمكن تصنيعه للتجربة والبحث والتطوير.
ليست هذه دعوة للسطو على حقوق الآخرين الفكرية، وإنما للنظر في الهندسة العكسية التي كانت من أساليب المقدمة في صراع التفوق بين معسكري الحرب الباردة في الماضي، وكانت أساس التنمية في الصين وما بلغته اليوم.
لا بد من البدء من نقطة محددة، كأن يطلع طالب في التعدين على وسائل وطرق معالجة وصب وتشكيل المعادن، لإنتاج نماذج أولية في بلده، تصلح مبدئيا للتجارب المدنية.
مكتب الولايات المتحدة لبراءات الاختراعات والعلامات التجارية لديه قاعدة بيانات متاحة للاطلاع، تحمل في ملفاتها تفاصيل دقيقة لإنجازات متناهية الجدوى الصناعية والتجارية، وكذلك وكالات أخرى أوروبية وآسيوية، تقدم هذه المعلومات لفائدتين: مراعاة محاذير خرق حقوق المخترع الوطني ونظيره الأجنبي، ودعوة ضمنية لكسر الابتكار والاحتكار بآخرين يبطلان جدواهما الاستهلاكية إن أمكن حتى وإن تم ذلك قبل انقضاء صلاحية الحقوق الفكرية وتعميم التصاميم بعدها.
عند مشاهدة تجربة لشباك بسيطة تصد طائرة درون صغيرة أتساءل: هل يمكن لشباك أكبر وأكثر مقاومة واستيعابا أن تصد درونات مفخخة كخط دفاع ثانٍ، وهل درس لدينا مبتعثون خواص الكيمياء والنسيج المطلوبة لحياكة النايلون الباليستي المطلوب؟.
الطالب المبتعث - أيا كان مجال اختصاصه - هو جاسوس تنموي، يعود يوما ما إلى وطنه ويخدمه بما اكتسب، والدول الصارمة التي تخوض الصراعات بدل الخضوع لها تفرز نوابغ المجالات وتجبرهم على الصنف النوعي من التعليم طويل النفس، بحسب الحاجة الاستراتيجية المهمة طويلة الأمد إلى المجال الحساس سين أو صاد. فإن تعذر ذلك في دول الصف الأول المتفوقة في ذات المجال لتحوطها من كونه ثغرة للخصم عبر الحليف، يزرع المبتعث في دولة من الصف الثاني في التفوق التنموي، لأن لديها أريحية أكبر في تهيئته، ومحاذير أكثر مرونة لإطلاعه على التفاصيل والمهارات دون خشية من تسرب أسرار صناعية ذات أفضلية.
عانى الحلفاء في الحرب العالمية الثانية من بندقية آلية للنازيين من طراز اس تي جي 44، ألهمت الروس لاحقا لابتكار بندقية كلاشنيكوف الرائدة، بعد أن خسروا أرواحا كثيرة برصاص النازيين، فلم انتظارنا لخسارة أرواح من مقذوف حوثي أو حشدي، أو صاروخ إيراني، صنعوه هم ذاتيا واشترينا نحن مضاداته جاهزة وربما مشروطة؟.